فصل: ما أجابه به سماك اليهودي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 ما أجابه به سماك اليهودي

فأجابه سماك اليهودي ، فقال ‏:‏

إن تفخروا فهو فخر لكم * بمقتل كعب أبي الأشرف

غداة غدوتم على حتفه * ولم يأت غدرا ولم يخلف

فعلَّ الليالي وصرف الدهور * يدين من العادل المنصف

بقتل النضير وأحلافها * وعقر النخيل ولم تقطف

فإن لا أمت نأتكم بالقنا * وكل حسام معا مرهف

بكف كمي به يحتمي * متى يلق قرنا له يتلف

مع القوم صخر وأشياعه * إذا غاور القوم لم يضعف

كليث بترج حمى غيله * أخي غابة هاصر أجوف

كعب بن مالك يقول شعرا في إجلاء بني النضير ومقتل كعب بن الأشرف

قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال كعب بن مالك يذكر اجلاء بني النضير وقتل كعب بن الأشرف ‏:‏

لقد خزيت بغدرتها الحبور * كذلك الدهر ذو صرف يدور

وذلك أنهم كفروا برب * عزيز أمره أمر كبير

وقد أوتوا معا فهما وعلما * وجاءهم من الله النذير

نذير صادق أدى كتابا * وآيات مبينة تنير

فقالوا ما أتيت بأمر صدق * وأنت بمنكر منا جدير

فقال بلى لقد أديت حقا * يصدقني به الفهم الخبير

فمن يتبعه يهد لكل رشد * ومن يكفر به يجز الكفور

فلما أشربوا غدرا وكفرا * وحاد بهم عن الحق النفور

أرى الله النبي برأي صدق * وكان الله يحكم لا يجور

فأيده وسلطه عليهم * وكان نصيره نعم النصير

فغودر منهم كعب صريعا * فذلت بعد مصرعه النضير

على الكفين ثم وقد علته * بأيدينا مشهرة ذكور

بأمر محمد إذا دس ليلا * إلى كعب أخا كعب يسير

فماكره فأنزله بمكر * ومحمود أخو ثقة جسور

فتلك بنو النضير بدار سوء * أبارهم بما اجترموا المبير

غداة أتاهم في الزحف رهوا * رسول الله وهو بهم بصير

وغسان الحماة موازره * على الأعداء وهو لهم وزير

فقال السلم ويحكم فصدوا * وحالف أمرهم كذب وزور

فذاقوا غب أمرهم وبالا * لكل ثلاثة منهم بعير

وأجلوا عامدين لقينقاع * وغودر منهم نخل ودور

 سماك اليهودي يرد على كعب بن مالك

فأجابه سماك اليهودي ، فقال ‏:‏

أرقت وضافني هم كبير * بليل غيره ليل قصير

أرى الأحبار تنكره جميعا * وكلهم له علم خبير

وكانوا الدارسين لكل علم * به التوراة تنطق والزبور

قتلتم سيد الأحبار كعبا * وقدما كان يأمن من يجير

تدلى نحو محمود أخيه * ومحمود سريرته الفجور

فغادره كأن دما نجيعا * يسيل على مدارعه عبير

فقد وأبيكم وأبي جميعا * أصيبت إذ أصيب به النضير

فإن نسلم لكم نترك رجالا * بكعب حولهم طير تدور

كأنهم عتائر يوم عيد * تذبح وهي ليس لها نكير

ببيض لا تليق لهن عظما * صوافي الحدي أكثرها ذكور

كما لاقيتم من بأس صخر * بأحد حيث ليس لكم نصير

 عباس بن مرداس يمدح رجال بني النضير

وقال عباس بني مرداس أخو بن سليم يمتدح رجال بني النضير ‏:‏

لو أن أهل الدار لم يتصدعوا * رأيت خلال الدار ملهى وملعبا

فإنك عمري هل أريك ظعائنا * سلكن على ركن الشطاة فتيأبا

عليهن عين من ظباء تبالة * أوانس يصبين الحليم المجربا

إذا جاء باغي الخير قلن فجاءة * له بوجوه كالدنانير مرحبا

وأهلا فلا ممنوع خير طلبته * ولا أنت تخشى عندنا أن تؤنبا

فلا تحسبن كنت مولى ابن مشكم * سلام ولا مولى حيي بن أخطبا

 خوات بن جبير يرد عليه

فأجابه خوات بن جبير أخو بني عمرو بن عوف ، فقال ‏:‏

تبكي على قتلى يهود وقد ترى * من الشجو لو تبكي أحب وأقربا

فهلا على قتلى ببطن أرينق * بكيت ولم تعول من الشجو مسهبا

إذا السلم دارت في صديق رددتها * وفي الدين صدادا وفي الحرب ثعلبا

عمدت إلى قدر لقومك تبتغي * لهم شهبا كيما تعز وتغلبا

فإنك لما أن كلفت تمدحا * لمن كان عيبا مدحه وتكذبا

رحلت بأمر كنت أهلا لمثله * ولم تلف فيهم قائلا لك مرحبا

فهلا إلى قوم ملوك مدحتهم * تبنوا من العز المؤثل منصبا

إلى معشر صاروا ملوكا وكرموا * ولم يلف فيهم طالب العرف مجدبا

أولئك أحرى من يهود بمدحة * تراهم وفيهم عزة المجد ترتبا

 عباس بن مرداس يرد على خوات بن جبير

فأجابه عباس بن مرداس السلمي ، فقال ‏:‏

هجوت صريح الكاهنين وفيكم * لهم نعم كانت من الدهر ترتبا

أولئك أحرى لو بكيت عليهم * وقومك لو أدوا من الحق موجبا

من الشكر إن الشكر خير مغبة * وأوفق فعلا للذي كان أصوبا

فكنت كمن أمسى يقطع رأسه * ليبلغ عزا كان فيه مركبا

فبك بني هارون واذكر فعالهم * وقتلهم للجوع إذ كنت مجدبا

أخوات أذر الدمع بالدمع وابكهم * وأعرض عن المكروه منهم ونكبا

فإنك لولا لقيتهم في ديارهم * لألفيت عما قد تقول منكبا

سراع إلى العليا كرام لدى الوغى * يقال لباغي الخير أهلا ومرحبا

 ما قاله أحد الصحابة في الرد على عباس بن مرداس

فأجابه كعب بن مالك ، أبو عبدالله بن رواحة ، فيما قال ابن هشام فقال ‏:‏

لعمري لقد حكت رحى الحرب بعدما * أطارت لؤيا قبل شرقا ومغربا

بقية آل الكاهنين وعزها * فعاد ذليلا بعد ما كان أغلبا

فطاح سلام وابن سعية عنوة * وقيد ذليلا للمنايا ابن أخطبا

وأجلب يبغي العز والذل يبتغي * خلاف يديه ما جنى حين أجلبا

كتارك سهل الأرض والحزن همه * وقد كان ذا في الناس أكدى وأصعبا

وشأس وعزال وقد صليا بها * وما غيبا عن ذاك فيمن تغيبا

وعوف بن سلمى وابن عوف كلاهما * وكعب رئيس القوم حان وخيبا

فبعدا وسحقا للنضير ومثلها * إن اعقب فتح أو إن الله أعقبا

قال ابن هشام ‏:‏ قال أبو عمرو المدني ‏:‏ ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بني النضير بني المصطلق ‏.‏ وسأذكر حديثهم إن شاء الله في الموضع الذي ذكره ابن إسحاق فيه ‏.‏

 غزوة ذات الرقاع في سنة أربع

 الاستعداد للغزوة

قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد غزو بني النضير شهر ربيع الآخر وبعض جمادى ، ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان ، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ، ويقال ‏:‏ عثمان بن عفان ، فيما قال ابن هشام ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ حتى نزل نخلا ، وهي غزوة ذات الرقاع

 سبب تسميتها بذات الرقاع

قال ابن هشام ‏:‏ وإنما قيل لها غزوة ذات الرقاع ، لأنهم رقعوا فيها راياتهم ؛ ويقال ‏:‏ ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع ، يقال لها ‏:‏ ذات الرقاع ‏.‏

 من أسباب صلاة الخوف

قال ابن إسحاق ‏:‏ فلقي بها جمعا عظيما من غطفان ، فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب ، وقد خاف الناس بعضهم بعضا ، حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف ، ثم انصرف بالناس ‏.‏

 كيفية صلاة الخوف

قال ابن هشام ‏:‏ حدثنا عبدالوارث بن سعيد التنوري - وكان يكنى ‏:‏ أبا عبيدة - قال ‏:‏ حدثنا يونس بن عبيد ، عن الحسن بن أبي الحسن ، عن جابر بن عبدالله في صلاة الخوف ، قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة ركعتين ثم سلم ، وطائفة مقبلون على العدو ‏.‏ قال ‏:‏ فجاءوا فصلى بهم ركعتين أخريين ، ثم سلم ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ وحدثنا عبدالوارث ، قال ‏:‏ حدثنا أيوب ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال ‏:‏ صفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صفين ، فركع بنا جميعا ، ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسجد الصف الأول ، فلما رفعوا سجد الذين يلونهم بأنفسهم ، ثم تأخر الصف الأول ، وتقدم الصف الآخر حتى قاموا مقامهم ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم بهم جميعا ، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم وسجد الذين يلونه معه ؛ فلما رفعوا رؤوسهم سجد الآخرون بأنفسهم ، فركع النبي صلى الله عليه وسلم بهم جميعا ، وسجد كل واحد منهما بأنفسهم سجدتين ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ حدثنا عبدالوارث بن سعيد التنوري ، قال ‏:‏ حدثنا أيوب عن نافع ، عن ابن عمر ؛ قال ‏:‏ يقوم الإمام وتقوم معه طائفة ، وطائفة مما يلي عدوهم فيركع بهم الإمام ويسجد بهم ، ثم يتأخرون فيكونون مما يلي العدو ، ويتقدم الآخرون فيركع بهم الإمام ركعة ، ويسجد بهم ، ثم تصلي كل طائفة بأنفسهم ركعة ، فكانت لهم مع الإمام ركعة ركعة ، وصلوا بأنفسهم ركعة ركعة ‏.‏

 غورث يهمُّ بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم وما نزل فيه من قرآن

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عمرو بن عبدي ، بن الحسن ، عن جابر بن عبدالله ، أن رجلا من بني محارب ، يقال له ‏:‏ غورث ، قال لقومه من غطفان ومحارب ‏:‏ ألا أقتل لكم محمدا ‏؟‏ قالوا ‏:‏ بلى ، وكيف تقتله ‏؟‏ قال ‏:‏ أفتك به ‏.‏ قال ‏:‏ فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس ، وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره ، فقال ‏:‏ يا محمد أنظر إلى سيفك هذا ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ، - وكان محلى بفضة ، فيما قال ابن هشام - قال ‏:‏ فأخذه فاستله ، ثم جعل يهزه ، ويهم فيكبته الله ؛ ثم قال ‏:‏ يا محمد ، أما تخافني ‏؟‏ قال ‏:‏ لا ، وما أخاف منك ‏!‏ قال ‏:‏ أما تخافني وفي يدي السيف ‏؟‏ قال ‏:‏ لا ، يمنعني الله منك ‏.‏ ثم عمد إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرده عليه ‏.‏ قال ‏:‏ فأنزل الله ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم ، إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ، فكف أيديهم عنكم ، واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ‏"‏ ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يزيد بن رومان ‏:‏ أنها إنما أنزلت في عمرو بن جحاش ، أخي بني النضير وما هم به ، فالله اعلم أي ذلك كان ‏.‏

 قصة جابر وجمله في هذه الغزوة

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبدالله ، قال ‏:‏ خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة ذات الرقاع من نخل ، على جمل لي ضعيف ؛ فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ جعلت الرفاق تمضي ، وجعلت أتخلف حتى أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ ما لك يا جابر ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا رسول الله ، أبطأ بي جملي هذا ؛ قال ‏:‏ أنخه ؛ قال ‏:‏ فأنخته وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ثم قال ‏:‏ أعطني هذه العصا من يدك ، أو اقطع لي عصا من شجرة ، قال ‏:‏ ففعلت ‏.‏ قال ‏:‏ فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخسه بها نخسات ، ثم قال ‏:‏ اركب ، فركبت ، فخرج ، والذي بعثه بالحق ، يواهق ناقته مواهقة ‏.‏

قال ‏:‏ وتحدثت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لي ‏:‏ أتبيعني جملك هذا يا جابر ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا رسول الله ، بل أهبه لك ؛ قال ‏:‏ لا ، ولكن بعْنِيه ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ فسمنيه يا رسول الله ؛ قال ‏:‏ قد أخذته بدرهم ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ لا ، إذن تغبنني يا رسول الله ‏!‏ قال ‏:‏ فبدرهمين ؛ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ لا ‏.‏ قال ‏:‏ فلم يزل يرفع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمنه حتى بلغ الأوقية ‏.‏ قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ أفقد رضيت يا رسول الله ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ‏.‏ قلت ‏:‏ فهو لك ؛ قال ‏:‏ قد أخذته ‏.‏

قال ‏:‏ ‏"‏ ثم قال ‏:‏ يا جابر ، هل تزوجت بعد ‏؟‏ ‏"‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ نعم يا رسول الله ، قال ‏:‏ أثيبا أم بكرا ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ لا ، بل ثيبا ؛ قال ؛ أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك ‏!‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا رسول الله ، إن أبي أصيب يوم أحد وترك بنات له سبعا ، فنكحت امرأة جامعة ، تجمع رؤوسهن ، وتقوم عليهن ؛ قال ‏:‏ أصبت إن شاء الله ، أما إنا لو قد جئنا صراراً أمرنا بجزور فنُحرت ، وأقمنا عليها يومنا ذاك ، وسمعت بنا ، فنفضت نمارقها ‏.‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ والله يا رسول الله ما لنا من نمارق ؛ قال ‏:‏ إنها ستكون ، فإذا أنت قدِمت فاعمل عملا كيسا ‏.‏

قال ‏:‏ فلما جئنا صراراً أمر رسول الله صلى الله عله وسلم بجزور فنحرت ، وأقمنا عليها ذلك اليوم ؛ فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل ودخلنا ؛ قال ‏:‏ فحدثت المرأة الحديث ، وما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قالت ‏:‏ فدونك ، فسمع وطاعة ‏.‏

قال ‏:‏ فلما أصبحت أخذت برأس الجمل ، فأقبلت به حتى أنخته على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال ‏:‏ ثم جلست في المسجد قريبا منه ؛ قال ‏:‏ وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى الجمل ؛ فقال ‏:‏ ما هذا ‏؟‏ قالوا ‏:‏ يا رسول الله هذا جمل جاء به جابر ؛ قال ‏:‏ فأين جابر ‏؟‏ قال ‏:‏ فدعيت له ؛ قال ‏:‏ فقال ‏:‏ يا ابن أخي خذ برأس جملك ، فهو لك ، ودعا بلالاً ، فقال له ‏:‏ اذهب بجابر ، فأعطه أوقية ‏.‏ قال ‏:‏ فذهبت معه ، فأعطاني أوقية ، وزادني شيئا يسيراً ‏.‏ قال ‏:‏ فوالله ما زال ينمي عندي ، ويرى مكانه من بيتنا ، حتى أصيب أمس فيما أصيب لنا يعني يوم الحرة ‏.‏

 ما أصيب به صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحراسة

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عمي صدقة بن يسار ، عن عقيل بن جابر ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال ‏:‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع من نخل ، فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين ؛ فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا ، أتى زوجها وكان غائبا ، فلما أخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يهريق في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دما ، فخرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنـزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منـزلا ، فقال ‏:‏ من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه ‏؟‏ قال ‏:‏ فانتدب رجل من المهاجرين ، ورجل آخر من الأنصار ، فقالا ‏:‏ نحن يارسول الله ؛ قال ‏:‏ فكونا بفم الشّعب ‏.‏ قال ‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد نزلوا إلى شعب من الوادي ، وهما عمار بن ياسر وعباد بن بشر ، فيما قال ابن هشام ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما خرج الرجلان إلى فم الشِّعب ، قال الأنصاريّ للمهاجريّ أيَّ الليل تحب أن أكفيكه ‏:‏ أوله أم آخره ‏؟‏ قال ‏:‏ بل اكفني أوله ؛ قال ‏:‏ فاضطجع المهاجري فنام ، وقام الأنصاري يصلي ، قال ‏:‏ وأتى الرجل ، فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة ‏(‏ طليعة ‏)‏ القوم ‏.‏ قال ‏:‏ فرمى بسهم ، فوضعه فيه ؛ قال ‏:‏ فنـزعه ووضعه ، فثبت قائما ؛ قال ‏:‏ ثم رماه بسهم أخر فوضعه فيه ‏.‏ قال ‏:‏ فنـزعه فوضعه وثبت قائما ؛ ثم عاد له بالثالث ، فوضعه فيه ؛ قال ‏:‏ فنـزعه فوضعه ثم ركع وسجد ، ثم أهب صاحبه فقال ‏:‏ اجلس فقد أثبتُّ ، قال ‏:‏ فوثب فلما رأهما الرجل عرف أن قد نذرا به ، فهرب ‏.‏ قال ‏:‏ ولما رأى المهاجريّ ما بالأنصاريّ من الدماء قال ‏:‏ سبحان الله ‏!‏ أفلا أهببتني أول ما رماك ‏؟‏ قال ‏:‏ كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها ، فلما تابع على الرمى ركعت فأذنتك ، وايم الله ، لولا أن أضيع ثغرا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه ، لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها ‏.‏

 رجوع رسول الله صلى الله عليه و سلم

قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ أنفذها ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة الرقاع ، أقام بها بقية جمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجبا ‏.‏

 غزوة بدر الآخرة في شعبان سنة أربع

 خروج الرسول لملاقاة أبي سفيان ورجوع أبي سفيان أإلى مكة

قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم خرج في شعبان إلى بدر ، لميعاد أبي سفيان حتى نزله ‏.‏

 استعماله ابن أبي على المدينة

قال ابن هشام ‏:‏ واستعمل على المدينة عبدالله بن أبي ابن سلول الأنصاري ‏.‏

 رجوع أبي سفيان في رجاله

قال ابن إسحاق ‏:‏ فأقام عليه ثماني ليال ينتظر أبا سفيان ، وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة ، من ناحية الظهران ؛ وبعض الناس يقول ‏:‏ قد بلغ عسفان ، ثم بدا له في الرجوع ، فقال ‏:‏ يا معشر قريش ، إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر ، وتشربون فيه اللبن ، وإن عامكم هذا عام جدب ، وإني راجعٌ ، فارجعوا ، فرجع الناس ، فسماهم أهل مكة جيش السويق ، يقولون ‏:‏ إنما خرجتم تشربون السويق ‏.‏

 الرسول و مخشي الضمري

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده ، فأتاه مخشي بن عمرو الضمري ، وهو الذي كان وادعه على بني ضمرة في غزوة ودان ، فقال ‏:‏ يا محمد ، أجئت للقاء قريش على هذا الماء ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم، يا أخا بني ضمرة ، وإن شئت مع ذلك رددنا إليك ما كان بيننا وبينك ، ثم جالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك ، قال ‏:‏ لا والله يا محمد ، ما لنا بذلك منك من حاجة ‏.‏

 ما قاله معبد الخزاعي من الشعر في ناقة للرسول هوت

فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر أبا سفيان ، فمر به معبد بن أبي معبد الخزاعي ، فقال ، وقد رأى مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وناقته تهوي به ‏:‏

قد نفرت من رفقتي محمد * وعجوة من يثرب كالعنجد

تهوي على دين أبيها الأتلد * قد جعلت ماء قديد موعدي

وماء ضجنان لها ضحى الغد

 ما قاله أحد صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة

وقال عبدالله بن رواحة في ذلك - قال ابن هشام ‏:‏ أنشدنيها أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك ‏:‏

وعدنا أبا سفيان بدرا فلم نجد * لميعاده صدقا وما كان وافيا

فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا * لأبت ذميما وافتقدت المواليا

تركنا به أوصال عبتة وابنه * وعمرا أبا جهل تركناه ثاويا

عصيتم رسول الله أفٍّ لدينكم * وأمركم السيء الذي كان غاويا

فإني وإن عنفتموني لقائل * فدى لرسول الله أهلى وماليا

أناه لم نعدله فينا بغيره * شهابا لنا في ظلمة الليل هاديا

 شعر حسَّان في ذلك

وقال حسَّان بن ثابت في ذلك ‏:‏

دعوا فَلَجات الشام قد حال دونها * جلاد كأفواه المخاض الأوَارِك

بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم * وأنصارِه حقا وأيدي الملائك

إذا سلكت للغور من بطن عالج * فقولا لها ليس الطريق هنالك

أقمنا على الرس النـزوع ثمانيا * بأرعن جرار عريض المبارك

بكل كُمَيت جوزُه نصف خلقه * وقبٍّ طوال مشرفات الحوارك

ترى العرفج العاميَّ تذري أصوله * مناسِم أخفاف المطيّ الرواتك

فإن نلق في تطوافنا والتماسنا * فرات بن حيان يكن رهن هالك

وإن تلق قيس بن امرىء القيس بعده * يزد في سواد لونه لون حالك

فأبلغ أبا سفيان عني رسالة * فإنك من غرِّ الرجال الصعالك

 أبو سفيان يرد على حسَّان

فأجابه أبو سفيان بن الحارث ابن عبدالمطلب ، فقال ‏:‏

أحسَّان إنا يابن آكلة الفغا * وجدك نغتال الخروق كذلك

خرجنا وما تنجوا اليعافير بيننا * ولو وألت منا بشَدٍّ مدَارِك

إذا ما انبعثنا من مناخ حسبته * مدَمَّن أهل الموسم المتعارك

أقمتَ على الرس النـزوع تريدنا * وتتركنا في النخل عند المدارك

على الزرع تمشى خلينا وركابنا * فما وطئت ألصقنه بالدَّكادك

أقمنا ثلاثا بين سلع وفارع * بجرد الجياد والمطي الرواتك

حسبتم جلاد القوم عند قبابهم * كمأخذكم بالعين أرطال آنك

فلا تبعثِ الخيل الجياد وقل لها * على نحو قول المعصم المتماسك

سعدتم بها وغيركم كان أهلها * فوارس من أبناء فهر بن مالك

فإنك لا في هجرة إن ذكرتها * ولا حرمات الدين أنت بناسك

قال ابن هشام ‏:‏ بقيت منها أبيات تركناها لقبح اختلاف قوافيها ، وانشدني أبو زيد الأنصاري هذا البيت ‏:‏

خرجنا وما تنجو اليعافير بيننا

والبيت الذي بعده لحسَّان بن ثابت في قوله

دعو فلجات الشأم قد حال دونها

وأنشدني له فيها بيته ‏"‏ فأبلغ أبا سفيان ‏"‏